بدأت الحكاية على شكل خيال علمي. آلات يمكنها أن تتحدث. روبوتات يمكنها أن تطير، تقاتل، تفكر و تعمل. الأكثر من هذا كله تطور العلم إلى أن وصل لصنع عربات ذاتية القيادة، أقمار صناعية تكشف عن خصوبة التربة و إعلانات فيديوهات على الفايسبوك و اليوتيوب تناسب أذواقنا. وصل التطور لصنع مدن تعتمد كليا على التكنولوجيا . تم صنع شريحة تغرس في دماغ الإنسان تكسبه معارف وعلوم مختلفة. على الرغم من أن الجزء الأخير كان يبدوا مستحيلا دون شك إلا أن العلماء تمكنوا حديثا من تحقيق خطوات واسعة في مجال الذكاء الاصطناعي محققين في ذلك قفزة نوعية في تاريخ البشرية. لكن هل سيجعلنا هذا التطور أفضل حالا خلال العقد المقبل؟ أم سيؤثر التقدم في الذكاء الاصطناعي على الجنس البشري ؟
عين على الذكاء الاصطناعي
عند سماع مصطلح الذكاء الاصطناعي أول ما يخطر ببالنا روبوتات عالية الأداء شبيهة بالإنسان . إلا ان هذا التفكير الشائع خاطئ. إذ لا يقتصر الذكاء الاصطناعي على الروبوتات فحسب. بل يمكنه أن يشمل أي شيء متعلق بالتكنولوجيا انطلاقا من خوارزميات البحث المختلفة وصولا إلى الأسلحة المستقلة. بشكل عام، الذكاء الاصطناعي فرع من فروع علوم الكمبيوتر. هو كل ما يواجهنا في حياتنا اليومية من أجهزة تعمل بخوارزميات ذكية
فالذكاء الاصطناعي هو ذلك الذكاء الذي تبديه البرامج و الآلات بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية.

حيث استطاع العلماء جعل الآلة تقلد الإنسان في كل تصرفاته. بل حتى بإمكانها أن تفعل أكثر من ذلك. فهي تتفوق أحيانا على قدرات الإنسان وذكائه عن طريق استخدام الإلكترونيات الدقيقة وبرمجتها. تم الوصول إلى هذه النتائج المذهلة بفضل علماء النفس و الأعصاب الذين درسوا طريقة كسب الإنسان للمعارف، وتحليلها و تحويلها لنماذج معرفية. من خلال هذه الدراسة تم التعرف ان كل هذه العمليات المعقدة عبارة عن إشارات كهربائية و تفاعلات كيميائية تنتقل عبر الأعصاب
بين الضعف و القوة، الذكاء الاصطناعي عن قرب
معظمنا سبق وأن واجه مصطلح الذكاء الاصطناعي في الصحافة الشعبية. ومن المحتمل أن نكون رأينا ما يسمى بالذكاء الاصطناعي القوي، الخارق و الضعيف. هذه المصطلحات عبارة عن أنواع الذكاء الاصطناعي
الضعيف أو الضيق

ببساطة هي ذلك البرنامج الذي يصمم لإنجاز مهام فردية ومعينة. داخل بيئة محددة في ظل مجموعة ضيقة من القيود ، الشروط والظروف. مما يجعله يفتقد القدرة على التأقلم و التعلم الذاتي. لأنه لا يكرر الذكاء البشري بشكل مطلق بل يحاكي السلوك البشري بناءا على نطاق ضيق من المعايير. مثل التعرف على الكلام، التعرف على الوجه ، ألعاب الفيديو. كابتكار شركة ” إ, ب, م” للروبوت ” ديب بلو ” الذي هزم بطل العالم غاري كاسباروف في لعبة الشطرنج . يستخدم هذا الذكاء في المساعد الرقمي كسيري في أجهزة شركة آبل الذكية وحواسيبها أو أليكسا
القوي أو العام

يقوم على محاولة محاكاة الدماغ بالكامل. أي محاولة نقل ذاكرة الدماغ و الحالة العقلية للإنسان إلى جهاز الكمبيوتر.حيث يهدف في أن يصبح للآلة قدرات تشبه قدرات الإنسان كليا كالتعلم. حل أي مشكلة قد يواجهها النظام، التفكير ، التحليل، تخزين المعلومات و الخبرات التي يكتسبها. بالتالي يصبح بإمكان الآلة اتخاذ قرارات مستقلة وذكية . وتبرمج لتكون قادرة على أداء معظم المهام التي يقوم بها الإنسان، مثل روبوتات الدردشة الفورية و السيارات ذاتية القيادة. وبما أن الذكاء الاصطناعي العام يعتمد على محاكاة الدماغ البشري و لنقص المعرفة الشاملة بوظائف الدماغ فإن هذا النوع من الذكاء لا يزال مجالا قيد الإنشاء
الذكاء الاصطناعي الخارق أو الفائق
بالنسبة للنوع الأخير فهو ذلك الذكاء الذي يشكل الطريق إلى المستقبل. هو يحاول أن يجعل الآلات مدركة لذاتها و قادرة على التعبير عن حالتها الداخلية. حيث يطور هذا الذكاء ليجعل الآلات تملك مشاعر، احتياجات، معتقدات ورغبات خاصة بها. و المبهر أكثر في هذا الأمر سيكون بمقدور الآلات التنبؤ بمواقف ومشاعر الآخرين و التفاعل معه.
إضافة إلى هذا سيتفوق الذكاء الفائق على الإنسان تقريبا في كل المجالات بما في ذلك الإبداع العلمي و المهارات الاجتماعية. كمثال على هذا الصنف من الذكاء. الروبوت صوفيا الذي صممته شركة ” هانسون رووتيكس” كي تتأقلم و تتعلم من السلوك البشري وتصرفاته
لكن بالرغم من هذا التقدم المشهود في الذكاء الاصطناعي، لازال أغلب العلماء يسعون للوصول للمزيد من التقدم في هذا المجال على أمل تحقيق ازدهار لحضارتنا وتحول حياتنا للأفضل. في نفس الوقت، البعض الآخر من العلماء يتخوفون من زوال البشرية على يد آلات ذكية تملك ذكاء خارقا على وجه الخصوص، أو استغلال التكنولوجيا في أهداف لا تلائم الأهداف الخيرة للبشرية
قلق بارز من الذكاء الاصطناعي
من أبرز مؤيدي الرأي الثاني بخصوص الوجه السلبي للذكاء الاصطناعي الخارق نجد العالم البريطاني الراحل ستيفن هوكينغ الذي حذر من هذا التطور قائلا: ” آن التطور القوي للذكاء الاصطناعي يمكن أن يجعله قادرا على نسخ نفسه و تطوير إرادة خاصة به تستطيع أن تتعارض مع مصالحنا أو تقضي على الجنس البشري وبالتالي يمكن أن يكون أسوء شيء يحدث للإنسانية. ” هوكينغ ليس الوحيد من يخشى هذه العاقبة

إذ حذر في وقت سابق ، إيلون ماسك صاحب شركة السيارات الكهربائية تسلا و شركة الفضاء سبيس إيكس،من مخاطر سوء استخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة لو استخدم من قبل المنظمات الإجرامية و الإرهابية لأغراض شريرة. مؤكدا في ذلك أنه سيكون أخطر من الأسلحة النووية. بدوره، بيل غيتس المؤسس والرئيس السابق لشركة مايكروسوفت اعتبره سلاحا ذو حدين.
إذ يعتبر أنه إن نجح الإنسان في إدارة الذكاء الصناعي الفائق ستؤدي الآلات وظائف كثيرة نيابة عنا. لكن بعد عقود سيصل الذكاء إلى مرحلة تشكل مصدر قلق وتهديد للبشرية. في المقابل مطور الروبوتات الذكية هود ليبسون يرى انه كما يمكن للبشر استخدام الطاقة النووية في الخير أو الشر بمقدورهم تطويع هذا النوع من الذكاء لصالح البشرية
هل من آثار الإيجابية للذكاء الاصطناعي على المجتمع؟

أما المتفائلون من الذكاء الاصطناعي يعتبرونه قاطرة التطور البشري القادم. حيث يعتقدون أن تطوير الذكاء الاصطناعي في بعض المجالات يهدف لحماية البشر و الحفاظ على أرواحهم كاستخدام الإنسان الآلي في ميادين المعارك العسكرية، و مراقبة المؤسسات والمنازل من عمليات السرقة وغيرها من الاستخدامات الضرورية. بالإضافة إلى هذا، حسب ظن هذه الفئة، سيحسن الذكاء الاصطناعي حياة البشرية في كافة المستويات الشخصية ، التجارية ، الصناعية و الطبية. من الناحية الطبية مثلا، في السنة الماضية تسلحت البشرية بالذكاء الاصطناعي لمواجهة فيروس كورونا المستجد. فلقد تم تصميم روبوتات تساعد في المستشفيات و نماذج ذكاء اصطناعي تكشف عن سبب سعال الشخص إن كان بسبب كورونا أو حالات الربو أو الالتهاب الرئوي أو الأمراض العصبية
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها تصميم رجل آلي يستخدم في المستشفيات. إذ سبق و قام اليابانيون بتطوير روبوت على شكل دب أطلق عليه تسمية “روبير” يقدم الرعاية التمريضية للمحتاجين لها والمعاقين. حيث برمج هذا الروبوت لرفع المرضى من أسرتهم ووضعهم على الكراسي المتحركة. في هذه الخانة تبدو فكرة الشر و النقاط السلبية الناجمة عن استخدام هذا الروبوت ضئيلة جدا بل حتى يمكن أن تكون منعدمة بالنسبة للمستفيدين منه و لمن قاموا بتطويره.
في الآخير وسط هذه الطفرة المذهلة للذكاء الاصطناعي و في حين وجود العديد من التداعيات السلبية بخصوص الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، من منظورك هل حان الوقت للخوف من الذكاء الاصطناعي و الاستعداد لنهاية العالم على يد الآلات؟





